عند التطرّق إلى كيفية تسعير خدمة، يقع الكثيرون في خطأ شائع قد يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى المبيعات. يتمثّل هذا الخطأ في تقديم عدد كبير من الخيارات للعميل، ظنًّا منهم أن تنوّع البدائل سيزيد من فرص إتمام عملية الشراء.
فيقوم البائع بعرض عدة خطط أو عروض، مثل الخيار (أ)، (ب)، (ج)، (د)، (هـ)... إلى ما لا نهاية، معتقدًا أن هذا التنوع سيجذب العميل ويقنعه بالشراء، ولكن هل هذا صحيح؟
في هذا المقال سنتعرف على كيفية تسعير خدمة وتقديم عروض واضحة ومدروسة تساعد العميل على اتخاذ قراره بسهولة، وفي الوقت نفسه تضمن للبائع تحقيق أهدافه الربحية دون تعقيد.
كيفية تسعير خدمة
كما ذكرنا فإنه من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثيرون عند التفكير في كيفية تسعير خدمة أو عند تصميم باقات وعروض الخدمات، هي تقديم عدد كبير من الخيارات للعميل، معتقدين أن هذا الأسلوب يزيد من فرص البيع.
لكن الحقيقة مختلفة تمامًا، فهناك قاعدة شهيرة في عالم المبيعات تقول: "إن أردت أن تحيّره، خيّره" أي أن كثرة الخيارات تُربك العميل وتدخله في حالة من التردد والقلق، مما يدفعه غالبًا إلى قول الجملة التي لا يحب أي بائع أو مقدم خدمة سماعها: "دعني أفكر وسأعود لاحقًا"، وهذه الجملة قد تعني ضياع الصفقة إلى الأبد.
إذن، ما الحل؟ سواء كنت موظف مبيعات أو تعمل بشكل حر (Freelancer) وتريد تسعير خدماتك أو تصميم باقات للدورات أو لخدمات التسويق عبر السوشيال ميديا، فالمبدأ الذهبي في كيفية تسعير خدمة هو: "خيّر ولا تحيّر"، اجعل خياراتك محدودة وواضحة، خيارين إلى ثلاثة كحد أقصى، ولا تزد عن ذلك.
والأهم من عدد الخيارات هو أن تكون هذه الخيارات مختلفة فعليًا من حيث القيمة والفائدة، وليست متشابهة بطريقة تربك العميل، وكذلك، يجب أن يكون الفرق في الأسعار معقولًا ومدروسًا، بحيث يشعر العميل أن كل خيار يقدم له قيمة حقيقية مقابل السعر دون مبالغة.
مثال عملي على كيفية تسعير خدمة بطريقة ذكية
هل يمكن أن تُعطينا مثالًا عمليًا على ذلك؟ بالتأكيد، على الرحب والسعة، دعني أشاركك بتجربة عملية موجودة على معظم المتاجر الإلكترونية الناجحة.
شركة ما قامت بإنشاء ثلاث باقات مختلفة بطريقة مدروسة تراعي احتياجات العميل دون أن تُربكه.
الباقة الأولى أطلقوا عليها اسم "باقة التسويق الإلكتروني"، وسعرها 1000 جنيه سنويًا، يحصل المشترك فيها على جميع دورات التسويق الإلكتروني، والتي تشمل أكثر من 10 كورسات، مثل: أساسيات التسويق الرقمي، إعلانات فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وسناب شات، إعلانات Google، Google Tag Manager، LinkedIn، واتساب بيزنس، وغير ذلك، باختصار هذه الباقة غنية بالمحتوى وقيمتها واضحة جدًا مقابل السعر.
ثم أنشأوا باقة ثانية مختلفة تمامًا، بسعر 1200 جنيه فقط، وهي "باقة صناعة المحتوى".
هذه الباقة تحتوي على كورسات متخصصة في التصوير، وأساليب الربح من الإنترنت، وكيفية إعداد محتوى فعال على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى دروس في المونتاج واستخدام برنامج OBS للبث المباشر والتنقل بين الكاميرات أثناء التصوير، وهذه الباقة تستهدف فئة مختلفة من الجمهور، أولئك الذين يطمحون إلى تعلم صناعة المحتوى من الألف إلى الياء.
إلى هنا، نحن أمام خيارين واضحين، كل منهما يخدم فئة محددة، والفارق السعري بينهما بسيط ومدروس.
ولكنهم لم يتوقفوا هنا، بل أنشأوا خيارًا ثالثًا سموه "الباقة الكاملة"، وسعّرتها بـ 1500 جنيه سنويًا، وهذه الباقة تتضمن كل شيء، كورسات التسويق الإلكتروني، وكورسات صناعة المحتوى، بالإضافة إلى أي كورسات جديدة تُضاف في المستقبل، أي أن العميل، بدفع مبلغ بسيط إضافي (حوالي 300 جنيه فقط)، يحصل على كل شيء، وربما أكثر مما كان يعتقد أنه بحاجة إليه.
وهنا نأتي إلى جوهر الموضوع، حيث أن هذه الطريقة تمثل تطبيقًا فعليًا لمفهوم كيفية تسعير خدمة بطريقة تحقق التوازن بين وضوح الخيارات وتنوعها، دون الوقوع في فخ "تخيير العميل حتى يحتار"، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى ضياع البيع.
لو كان العميل مهتمًا بالتسويق فقط، سيختار الباقة الأولى، وإن كان مهتمًا بصناعة المحتوى، فالباقة الثانية تناسبه، أما من يرى أنه قد يحتاج كلا الأمرين الآن أو لاحقًا، فسيتجه إلى الباقة الكاملة، خاصة أن فرق السعر بسيط مقارنة بحجم القيمة.
هذه الطريقة في التسعير تُسمى "احتمالية الاحتياج"، أي أن العميل يشتري بناءً على احتمال أنه سيحتاج الخدمة الإضافية مستقبلًا، مما يجعل السعر الإضافي يبدو منطقياً، وهنا نكون قد نجحنا في توصيله إلى النقطة التي نرغب فيها دون أن نحيره، ودون أن يشعر بأنه أُجبر على الشراء.
وهكذا، نكون قد طَبَّقنا فعليًا قاعدة "خيّر ولا تُحيّر"، وهي من أساسيات فهم كيفية تسعير خدمة بطريقة ناجحة ومؤثرة.
أهمية تسعير الخدمة
حتى لا تُربك العميل بكثرة الخيارات، ويكفي أن تقدم باقة واحدة أو اثنتين، أو ثلاث باقات على الأكثر، بشرط أن يكون الفارق بينها واضحًا وجوهريًا، وأن تلبّي كل باقة احتياجات مختلفة لفئات متنوعة من العملاء.
والأهم من ذلك، أن تجعل فرق السعر بين هذه الباقات بسيطًا ومدروسًا، بحيث يشعر العميل داخليًا أن شراء الباقة الأكبر هو الخيار الأفضل من حيث القيمة.
أما إذا بدأت بعرض باقة واحدة فقط بسعر مرتفع، فقد تخسر شريحة من العملاء الذين لا يملكون القدرة على الدفع، وفي المقابل، إن قدمت فقط باقة منخفضة السعر، فقد تخسر شريحة كانت قادرة على دفع المزيد للحصول على مزايا إضافية.
لكن دعني أؤكد على نقطة مهمة جدًا في نهاية حديثي، هذه القاعدة تُطبَّق بشكل أكثر فعالية على الخدمات وليس المنتجات، لأن طبيعة الخدمات، وخصوصًا الخدمات الرقمية، تختلف.
في تسعير المنتجات، الأمر أحيانًا يحتاج لتفكير أعمق، بسبب وجود تكاليف تصنيع وتوصيل وغيرها، أما في الخدمات الرقمية، حيث لا تقدم شيئًا ملموسًا، والعلاقة مع العميل تكون بالكامل عبر الإنترنت، فإن تطبيق قاعدة "خيّر ولا تُحيّر" سيُحدث فرقًا كبيرًا.
ستلاحظ تأثيرًا مباشرًا على حجم المبيعات، وسيرتفع معدل الاشتراك في باقاتك بشكل ملحوظ، آمل أن تكون الفكرة قد وصلت إليك الآن ببساطة، وأنني استطعت أن أوضح لك فعليًا ماذا نعني بقاعدة "خيّر ولا تُحيّر"، وكيف تُستخدم بشكل ذكي ضمن استراتيجيات كيفية تسعير خدمة.